الجمعة 29 مارس 2024

قصة "الأخطبوط" الذي دمر اقتصاد العراق

وليد خدوري
وليد خدوري

كتب الدكتور "علي علاوي" وزير المالية العراقي السابق، خطاب استقالته المكون من عشر صفحات لرئيس مجلس الوزراء السابق "مصطفى الكاظمي"، في يوم 16 من أغسطس السابق 2022.

 وصف علاوي الحالة المأسوية في العراق "حيث تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد. وتسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة".

ووفقًا لموقع "العربية" وضع علي علاوي أصبعه على الجرح الذي دمّر الاقتصاد العراقي ذا الريع النفطي المقدر بنحو 100 مليار دولار لعام 2022، وهذا الفساد المدمر والممنهج في بقية الدول العربية ويخضع أيضا الهيمنة الإيرانية ، وحتى في إيران نفسها، ونقتبس من اللاحظة الآتية: "المرة الأخيرة التي دخلت فيها وزارة المالية كانت في عام 2005".

دمار اقتصاد العراق

وأضاف إلي "عندما كنت أعمل أيضاً وزيراً للمالية في ظل الحكومة الانتقالية للدكتور إبراهيم الجعفري، وفي الأسابيع القليلة التالية من مجيئي إلى الوزارة للمرة الثانية، تعرفت على الحقيقة المروعة بشأن مدى تدهور آلية الحكومة في السنوات الـ15 الماضية. فقد تم الاستيلاء على مفاصل واسعة من الدولة فعلياً من قِبل الأحزاب السياسية وجماعات المصالح الخاصة".

وكانت الوزارة نفسها بلا دفة لأكثر من عقد من الزمان. واستقال أحد وزرائها بسبب مزاعم عن إيوائه إرهابيين.

بعد ذلك، كانت الوزارة تدار من قبل وزراء بالوكالة مكلفين من وزارات أخرى. وكان لديهم القليل من الفهم للشؤون المالية، وبالتالي لم يتمكنوا من توفير إطار السياسة المالية للبلد‘ وخلال الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، وتم عزل وزير المالية آنذاك من منصبه عن طريق استجواب برلماني. ولم يتم تعيين وزير مالية جديد إلا بعد تولي حكومة السيد عادل عبد المهدي السلطة في أكتوبر 2018.

 شغل سلفي الدكتور فؤاد حسين، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، منصب وزير المالية. ومع ذلك انقطعت فترة ولايته مع مظاهرات أكتوبر 2019، واستقالة الحكومة بعد ذلك بوقت قصير.

"لقد كانت وزارة المالية التي كنت أترأسها شبحاً، مقارنة بما كانت عليه في السابق. وشغل المديرون مناصبهم الرئيسة لفترات قصيرة فقط. ووقع العديد منهم تحت تأثير الأحزاب السياسية".

ولم يكن جميع المديرين العامين مناسبين أو مؤهلين للوظائف التي كانوا مسؤولين عنها. ولقد تم تقليص عدد كبار الموظفين الذين كنت على دراية بهم في عام 2006 بشكل كبير، من خلال حالات التقاعد والطرد والاستقالات، وحتى القتل، وانخفضت المعايير إلى مستوى متدن للغاية. 

وكانت وزارة المالية مليئة بالأشخاص ذوي المؤهلات المشكوك فيها، وليس لديهم خبرات ذات مغزى أو مهارات، مع القليل من الفهم للممارسات الحديثة في الإدارة العامة أو الإدارة المالية، وقام غير الأكفاء والمتصلين بالسياسة بإزاحة الإداريين المهرة والفعّالين، لقد تمكنت وزارة المالية من إدارة دفع الرواتب والمدفوعات الروتينية الأخرى المُدرجة في الموازنة، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن كونها المؤسسة الرئيسة لصنع السياسات المالية والاقتصادية للبلد، و ترتب على ذلك إدراكي، وفي غضون أسابيع قليلة، بمدى خلو الوزارة من مهاراتها وقدراتها خلال السنوات الماضية".

«كانت قضايا فساد الدفع الإلكتروني، بالنسبة لي، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لم تكن حالة نادرة، ولكنها عكست بوضوح لجميع الأطراف مدى الخلل بالمنظومة، فقد بلورت الدرجة التي تدهورت عندها مكانة الدولة وأصبحت ألعوبة للمصالح الخاصة. الأمر الآن مع السلطة القضائية وتحقيقاتها بعد إبداء الوزارة ملاحظاتها، لذا لا يمكنني التعليق عليه، لكنه يثير مجموعة كاملة من الأسئلة بشأن كيفية اتخاذ القرارات الصحيحة التي تؤثر على ملايين الأشخاص ومؤسسات الدولة الحيوية، دون اعتبار للمصلحة العامة. حتى تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد، وتسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة.

 هذه الشبكات محمية من قِبل الأحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون، وحتى القوى الأجنبية. وإنها تحافظ على صمت المسؤولين الأمناء بسبب الخوف والتهديد بالقوة. لقد وصل هذا الأخطبوط الهائل من الفساد والخداع إلى كل قطاع من قطاعات الدولة ومؤسساتها، ويجب تفكيكه بأي ثمن إذا كان مقدَّراً لهذا البلد أن يبقى على قيد الحياة. وهنا يحدوني الأمل بأن يتبع قضاة التحقيق في قضية بوابة عشتار الخيوط أينما تذهب لتكون بادرة خير لإعادة الثقة بالمنظومة.