الأحد 20 أبريل 2025

ناجين وصغيرتها فاتو هما آخر حيوانين على قيد الحياة من وحيد القرن الأبيض الشمالي

موقع أيام نيوز

ناجين وفاتو: رواية الأرض الأخيرة لوحيد القرن الأبيض الشمالي

المقدمة

هل يمكننا إنقاذ الحياة البرية من نهايتها؟ في حين يقترب وحيد القرن الأبيض الشمالي من الانقراض الكامل، تُحمل ناجين وصغيرتها فاتو لواء الأمل الأخير لهذا النوع المميز. يروي العالم اليوم قصة حزينة لكائن كان يجوب السهول الأفريقية في أعداد ضخمة، ليتقلص اليوم إلى مجرد فردين. وفقًا للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، يواجه العالم خطړ فقدان 25% من أنواع الثدييات البرية بحلول منتصف القرن الحالي. فهل تُحدث ناجين وفاتو فارقًا؟ أم سيصبحان شاهديْن على إخفاق البشرية؟

السياق التاريخي والاجتماعي لوحيد القرن الأبيض الشمالي

الأصول والتاريخ الطبيعي

ينتمي وحيد القرن الأبيض الشمالي إلى واحدة من أقدم العائلات الحيوانية التي نجت منذ العصر الجليدي، حيث تطور النوع ليعيش في السهول المفتوحة بأفريقيا. مع نهاية القرن التاسع عشر، كانت أعداده تُقدر بالآلاف، لكنه بدأ يختفي تدريجيًا بسبب توسع الأنشطة البشرية.

التجارة غير المشروعة والصيد الجائر

السوق السوداء لقرون وحيد القرن: كانت تجارة قرون وحيد القرن محورًا أساسيًا في انخفاض أعداده، حيث تُستخدم القرون في الطب التقليدي في شرق آسيا وتُعتبر رمزًا للثراء. وقد وصل سعر الكيلوغرام من قرون وحيد القرن في الأسواق الآسيوية إلى 60 ألف دولار في بعض الأحيان.

الأثر الاجتماعي: أدى هذا الطلب المرتفع إلى تشكيل شبكات تهريب دولية استهدفت الحيوانات في المحميات الطبيعية، مما أدى إلى انخفاض سريع في الأعداد.

منعطف الحړب والصراعات المسلحة

في السبعينيات والثمانينيات، أثرت النزاعات المسلحة في السودان وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل مباشر على وحيد القرن الأبيض الشمالي، حيث أضعفت الحكومات المحلية من حماية الحياة البرية.

تفاصيل الحالة الراهنة: تحديات البقاء

الواقع الحالي

تعيش ناجين وصغيرتها فاتو في محمية "أول بيجيتا" المترامية الأطراف، وهي محمية تقع في كينيا تمتد على مساحة تقارب 360 كيلومترًا مربعًا. وتُعتبر هذه المحمية نموذجًا عالميًا لإدارة الحياة البرية، حيث تعتمد أعلى معايير الأمان لرعاية الأنواع المھددة بالانقراض. تخضع ناجين وفاتو لمراقبة صارمة على مدار الساعة بواسطة فريق من الحراس المسلحين، الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع فرق من العلماء والباحثين البيئيين. وتتضمن هذه المراقبة تكنولوجيا متطورة، مثل الكاميرات الحرارية والطائرات المسيرة، لضمان بقائهما بعيدًا عن أيدي الصيادين غير الشرعيين.

الجهود العلمية المبتكرة

استخدام التكنولوجيا لإنقاذ النوع

في ظل غياب الذكور من وحيد القرن الأبيض الشمالي، تمثل التكنولوجيا الحل الوحيد لإنقاذ هذا النوع. منذ عام 2019، يعمل فريق من العلماء الدوليين، بالتعاون مع محمية "أول بيجيتا"، على تطبيق تقنيات متقدمة باستخدام بويضات مأخوذة من ناجين وفاتو.

التلقيح الصناعي والجينات: تتضمن العملية استخراج بويضات من الإناث ودمجها مع عينات مجمدة من الحيوانات المنقرضة مثل الذكر سودان، الذي تم حفظ حمضه النووي في مختبرات متخصصة. هذا النهج يتطلب دقة كبيرة ومعدات متطورة لضمان سلامة الأجنة قبل زراعتها.

الأم البديلة: نظرًا لأن ناجين وفاتو غير قادرتين صحيًا على الحمل، يقوم العلماء بزرع الأجنة في إناث وحيد القرن الأبيض الجنوبي، وهو قريب وراثي لهذا النوع. تُعتبر هذه التقنية غير مسبوقة وقد تفتح المجال لإنقاذ أنواع أخرى مھددة.

التحديات التقنية

انخفاض فرص النجاح: تشير البيانات إلى أن احتمال النجاح في إنتاج نسل حي عبر هذه الطرق لا يتجاوز 15-20% في الوقت الحالي. ويعزو العلماء ذلك إلى تعقيدات التعامل مع المادة الوراثية القديمة والآليات الدقيقة لتخصيب البويضات.

التكاليف الباهظة: يمثل المشروع عبئًا ماليًا كبيرًا، حيث تقدر التكلفة السنوية بحوالي 10 ملايين دولار. تشمل هذه التكاليف أبحاثًا مستمرة، أجور الحراس والعلماء، وتطوير تقنيات حديثة لضمان استمرارية الجهود.

الدعم العالمي والمجتمعي

الشراكات الدولية: تعتمد مبادرات إنقاذ وحيد القرن على تمويل متعدد المصادر من منظمات دولية مثل "الصندوق العالمي للطبيعة" (WWF) ومنظمات حماية البيئة. يُضاف إلى ذلك الدعم الذي يقدمه القطاع الخاص، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الحيوية والمؤسسات الداعمة للحفاظ على التنوع البيولوجي.

الحملات التوعوية: تعمل المحمية مع حكومات ومنظمات غير ربحية على إطلاق حملات إعلامية عالمية لتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على وحيد القرن الأبيض الشمالي. تهدف هذه الحملات إلى زيادة التمويل الشعبي وتشجيع الحكومات على تقديم المزيد من الدعم.

التفاعل مع المجتمع المحلي: يتم توظيف سكان المنطقة في الحماية والصيانة، مما يعزز العلاقة بين المجتمع المحلي والحياة البرية.

التطلعات المستقبلية

رغم الصعوبات الهائلة، يواصل العلماء العمل بإصرار، مدفوعين بالأمل في استعادة هذا النوع. تعتبر تجربة ناجين وفاتو بمثابة اختبار حاسم لمستقبل إنقاذ الأنواع المھددة الأخرى، مما يجعلها مشروعًا ذا أهمية تتجاوز حدوده المباشرة.

تحليل الأسباب والتداعيات

الأسباب الجذرية

أنشطة البشر: الصيد الجائر والاستغلال التجاري كانا السبب الرئيسي لانحدار النوع.

تغير المناخ: ساهم تغير المناخ في تقليص مساحة المراعي والمصادر المائية الضرورية للحياة البرية.

تداعيات انقراض النوع

التوازن البيئي: فقدان وحيد القرن يؤدي إلى تغييرات خطېرة في النظم البيئية، مثل تأثيره على جودة التربة وزيادة الأعشاب الضارة.

الرسالة الأخلاقية: يُبرز الموقف الحالي أهمية التصالح مع الطبيعة للحفاظ على التنوع البيولوجي.

الدروس المستفادة

يرى خبراء البيئة أن هذه الأزمة تسلط الضوء على أهمية تطوير سياسات بيئية شاملة تتضمن:

التطبيق الصارم للقوانين: يجب مكافحة الصيد الجائر بصرامة أكبر.

التوعية العالمية: حملات توعوية لتعريف المجتمع الدولي بأهمية الحفاظ على الأنواع.

القصص الإنسانية وشهادات حقيقية

حياة سودان: شاهدة على النهاية

كان سودان رمزًا عالميًا للأمل. قُټل في عام 2018 بعد معاناة طويلة مع الشيخوخة والمشاكل الصحية. كانت لحظاته الأخيرة مؤثرة بشكل عميق، حيث كان محاطًا بحراسه الذين أمضوا سنوات في رعايته.

قصة الحراس ورابطهم العاطفي مع الحيوانات

يروي الحارس جوزيف كيبلاجات: "عندما أنظر في عيون ناجين وفاتو، أشعر بمسؤولية عميقة تجاه مستقبل الحياة البرية. نحن لا نحمي مجرد حيوانات، بل نحمي إرثًا عالميًا".

الخاتمة

تختصر ناجين وفاتو قصة نضال الطبيعة في وجه الطمع البشري. ومع الجهود العالمية لإنقاذ وحيد القرن الأبيض الشمالي، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكننا أن نحقق التوازن بين التكنولوجيا والطبيعة؟ أم أن المأساة ستتكرر مع أنواع أخرى؟

المستقبل يعتمد على خياراتنا اليوم، وأي تقاعس يعني خسارة أخرى للكوكب الذي نتشاركه جميعًا.